کد مطلب:241330 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:255

وظائف الأعضاء و مثالها مثال الملک
و ذلك أن الأجسام أسست علی مثال الملك [1] .



[ صفحه 26]



فملك الجسد هو ما فی القلب [2] و العمال العروق فی



[ صفحه 29]



الأوصال [3] والدماغ [4] و بیت الملك قلبه و أرضه الجسد، والأعوان



[ صفحه 36]



یداه، و رجلاه، و عیناه، و شفتاه، و لسانه، و أذناه، و خزائنه معدته [5] [6] .



[ صفحه 39]



و بطنه، و حجابه و صدره [7] .

فالیدان [8] عونان یقربان، و یبعدان و یعملان علی ما یوحی الیها



[ صفحه 40]



الملك. والرجلان ینقلان الملك حیث یشاء، والعینان [9] یدلانه علی ما



[ صفحه 46]



یغیب عنه، لأن الملك وراء حجاب [10] لا یوصل الیه الا باذن، و هما سراجاه ایضا.



[ صفحه 47]



و حصن الجسد و حرزه الأذنان [11] لا یدخلان علی الملك الا ما



[ صفحه 53]



یوافقه، لأنهما لا یقدران أن یدخلا شیئا حتی یوحی الملك الیهما [12] أطراف الملك منصتا لهما حتی یعی منهما ثم یجیب بما یرید (نادا منه) ریح الفؤاد و بخار المعدة، و معونة الشفتین.

و لیس للشفتین قوة الا بانشاء اللسان. و لیس یستغنی بعضها [13] عن بعض. و الكلام لا یحسن الا بترجیعه فی الأنف، لأن الأنف یزین الكلام، كما یزین النافخ المزمار [14] .



[ صفحه 54]



و كذلك المنخران [15] هما ثقبا الأنف [16] ، والأنف یدخل علی



[ صفحه 57]



الملك مما یحب من الروائح الطیبة. فاذا جاء ریح یسوء أوحی الملك الی الیدین فحجبت بین الملك و بین تلك الروائح.

و للملك مع هذا ثواب و عذاب. فعذابه أشد من عذاب الملوك الظاهرة القادرة فی الدنیا. و ثوایه أفضل من ثوابها. فأما عذابه فالحزن. و أما ثوابه فالفرح. و أصل الحزن فی الطحال [17] .



[ صفحه 58]



و أصل الفرح فی الثرب [18] والكلیتین [19] و فیها عرقان موصلان فی



[ صفحه 59]



الوجه، فمن هناك یظهر الفرح والحزن، فتری تباشیرهما فی الوجه و هذه العروق كلها طرق من العمال [20] ، الی الملك [21] و من الملك الی العمال.



[ صفحه 60]



و تصدیق ذلك: اذا تناول الدواء أدته العروق الی موضع الداء باعانتها [22] .



[ صفحه 65]




[1] قوله عليه السلام «علي مثال الملك» بالضم أي المملكة التي يتصرف فيها الملك، فملك الجسد - بفتح الميم و كسر اللام - أي سلطانه هو القلب. كذا في أكثر النسخ، و ربما يتوهم التنافي بينه و بين ما سيأتي من أن بيت الملك قلبه.

و يمكن رفع التنافي بأن للقلب معاني أحدها اللحم الصنوبري المعلق في الجوف الثاني الروح الحيواني الذي ينبعث من القلب و يسري في جميع البدن، الثالث النفس الناطقة الانسانية التي زعمت الحكماء و بعض المتكلمين انها مجردة متعلقة بالبدن اذ زعموا ان تعلقها أولا بالبخار اللطيف المنبعث من القلب المسمي بالروح الحيواني، و بتوسطه تتعلق بسائر الجسد، فاطلاقه علي الثاني لكون القلب منشاه و محله، و علي الثالث لكون تعلقها أولا بما في القلب. فيحتمل أن يكون مراده عليه السلام بالقلب ثانيا المعني الأول، و به أولا أحد المعنيين الاخرين.

و في بعض النسخ (هو ما في القلب) فلا يحتاج الي تكلف، لكن يحتمل المعني الثاني علي الظرفية الحقيقة، والثالث علي الظرفية المجازية، بناء علي القول بتجرد الروح، و قد مر الكلام فيه و علي التقديرين كونه ملك البدن ظاهر، اذ كما أن الملك يكون سببا لنظام أمور الرعية و منه يصل الأرزاق اليهم، فمنه يصل الروح الذي به الحياة الي سائر البدن.

و علي رأي أكثر الحكماء اذا وصل الروح الحيواني الي الدماغ صار روحا نفسانيا يسري بتوسط الأعصاب الي سائر البدن، فمنه يحصل الحس والحركة فيها و اذا نفذ الي الكبد صار روحا طبيعيا فيسري بتوسط العروق النابتة من الكبد الي جميع الأعضاء، و به يحصل التغذية والتنمية. و كما أن السلطان قد يأخذ من الرعايا ما يقوم به أمره، كذلك يسري من الدماغ والكبد اليه القوة النفسانية والقوة الطبيعية. فيمكن تعميم العروق بحيث تشمل العروق المتحركة النابتة من القلب والساكنة النابتة من الكبد والأعصاب النابتة من الدماغ.

[2] وصف القلب و تركيبه:

قال الامام الصادق عليه السلام: «يا مفضل من غيب الفؤاد في جوف الصدر، و كساه المدرعة التي غشاؤه، و حصنه بالجوانح و ما عليها من اللحم والعصب، لئلا يصل اليه ما ينكأه».

فالقلب عضو عضلي صنبوري الشكل مخروطي الوضع يشبه الكمثري، و حجمه كقبضة يد صاحبه، محاط بغشاء مصلي سميك قوي يسمي «الشفاف» أو (التامور) و هو كمدرعة الكمي الشجاع المناضل حيث تغشيه من جميع أطرافه، جوانبه لتقيه من كل صدمة قوية أو رجة مزعجة أو مضايقة عضو مجاور له يحتك به. و موضعه في القفص الصدري بين الرئتين اتجاه المثلث الأخير من القفص بين الضلع الخامس والسادس تحت الثدي الأيسر مباشرة، و هو مرتكز علي الحجاب الحاجز، و قاعدته متجهة نحو الأعلي و رأسه الي الأسفل، يميل قليلا الي اليسار.

و هو منبع الروح الحيواني، و مركز الدورة الدموية، لذلك تراه خلق شبيها بالمضخة الدافعة للدم نحو جميع أنحاء البدن بانقباض عضلاته انقباضا شديدا والجاذبة له مرة ثانية بانبساط عضلاته انبساطا و ارتخاءا.

و بهذه الحركة الانقباضية الانبساطية المستمرة ينشأ الصوت المسموع منه الملموس المسمي (بالنبض) أو (ضربات القلب و قرعانه). هذا عمله.

أما وصفه و تركيبه:

فهو ينقسم الي شقين يحوي كل شق منهما تجويفين، فيكون علي هذا فيه أربعة تجويفات اثنان من الأعلي و يسميان «الأذينين» اليمني واليسري و اثنان في الأسفل و يسميان «البطينين» اليمني واليسري، و يفصل بين الأذينين جدار رقيق صقيل بخلاف الفاصل بين البطينين فانه سميك قوي.

كما أن بين الأذين الأيمن والبطين الأيمن فتحة، و بين الأذين الأيسر والبطين الأيسر فتحة أخري، و علي هاتين الفتحتين صمامات مكونة من شرفات غشائية تتصل بالجدران العضلية للبطينين بواسطة حبال عصبية قوية.

فتأمل في هذه الآيات الباهرات والخلقة الحكيمة، و انظر الي القلب وحده لتري كيف يبدأ بالحركة والنبض منذ صيرورة الانسان جنينا ثم يظل يدق و ينبض طيلة عمر الانسان مهما طال حتي الموت؟ و من هو المحرك له؟ و لماذا اذا وقف هذا العضو الصغير في البدن آناما عن الحركة سكنت كل حركاته و مات؟ و لماذا لا يمكن و لن يمكن ارجاعه؟ و لماذا لا يكل و لا يمل عن العمل في حين أنه لا تفتر حركته ليلا و نهارا و يقظة و نوما.

فلعمري انه لآلة عجيبة تبز بأعاجيبها كل أعاجيب البشر و مخترعاتهم المدهشة و آلاتهم العظيمة.

القلب والدورة الدموية:

كان الطبيب الانجليزي وليم هارفي (1657-1578) أول من استنتج عام 1628 أن حركة الدم هي في دورة مستمرة. تلك كانت ملاحظة رائعة في ذلك الحين، لأن هارفي لم يكن باستطاعته يومذاك أن يدري بوجود الشبكة الواسعة من الأوعية الشعرية التي تشكل الدورة الدموية المجهرية عند الانسان والتي يبلغ مجموع طولها 96,500 كلم (60000 ميل)، و لا بوجود الاكسجين المتبادل بين الأوعية الشعرية والأنسجة.

وظيفة الدم:

يحتاج كل جسم حي، مهما كان بدائيا، الي جهاز دوري ليغذي أجزاءه و يزيل النفايات منها. يؤمن هذا التبادل الحيوي في جسم الانسان السائل المتعدد الوظائف والمعروف بالدم، الذي منه عند الانسان البالغ ما يقرب من خمسة ليترات. ان الدم الجاري في أعماق الانسجة هو ما ينقل الاكسيجين والمواد الغذائية الي الخلايا لتظل حية، و يطرد ثاني اكسيد الكربون والنفايات الأخري من الجسم. يؤمن القلب، المكون من عضل متخصص، القوة المحركة للجهاز الدوري، و هو مؤلف من تجويفين علويين يعرفان بالأذينين، و تجويفين سفلين، يعرفان بالبطينين. يضبط جريان الدم بين التجويفات و في الشريان الأبهر والشريان الرئوي أربعة صمامات.

كيف يعمل القلب:

القلب كناية عن مضخة واحدة تؤمن القوة لدورتين اثنتين: ففي نبضة قلبية واحدة، يدخل الدم المؤكسج منذ لحظة والواصل من الرئتين الجهة اليسري من القلب ليتوزع علي الاعضاء والانسجة و يضخ الدم الفاقد الاكسيجين عن طريق الجهة اليمني من القلب مباشرة الي الرئتين حيث يتأكسج من جديد.

يعادل حجم القلب حجم قبضة اليد، و يباشر عمله في الاسبوع الرابع من نمو الجنين، و يستمر فيه مدي الحياة. تتراوح نبضات القلب عند الانسان البالغ بين 70 و 80 نبضة في الدقيقة الواحدة. هذا هو المعدل أثناء الراحة، لكنه قد يرتفع بصورة مفاجئة الي ضعفين و نصف الضعف من هذا المعدل، استجابة لانهاك او اجهاد. تبلغ قوة نبضة القلب زخما يكون من الشدة بحيث اذا قطع اكبر شرايين الجسم، و هو الأبهر او الاورطي الذي يخرج من القلب بشكل قوص، فانه يقفز الدم الي بعد مترين (6 اقدام).

الشرايين هي التي تنقل الدم النقي المؤكسج من القلب، و هي اوعية عضلية، ذات جدران سميكة، يغور أكثرها في أعماق الانسجة حفظا لها من الأذي. و حيث تكون قريبا من سطح الجسم، كما هي الحال في المعصم، تختلج تبعا لنبضات القلب. تتفرع الشرايين الي شرايين أصغر، و هذه بدورها الي شبكة معقدة من الأوعية الشعرية.

بعد أن يفقد الدم اكسيجينه، يعود تحت ضغط منخفض بواسطة الاوعية الشعرية، فيمر عبر الاوردة الاكبر منها الي الأوردة، و ينتهي في وعائين كبيرين هما الوريد الاجوف السفلي والوريد الأجوف العلوي اللذان يلتقيان عند القلب و يصبان الدم في البطين الايمن ليضخ في الرئتين.

عندما يبزل الدم من الجسم، يبدو سائلا كثيفا لزجا و يتجمد بسرعة عند تعرضه للهواء. أما عندما ينفصل في المختبر، فانه ينقسم الي سائل صفراوي اللون يعرف بالبلازما التي تشكل 55% من حجم الدم، و الي تفل غامق اللون مؤلف من جزئيات دقيقة.

[3] المراد بالأوصال مفاصل البدن و ما يصير سببا لوصالها فان بها تتم الحركات المختلفة من القيام والقعود و تحريك الأعضاء.

[4] وصف الدماغ:

قال الامام الصادق عليه السلام للمفضل: «و لو رأيت الدماغ اذا كشف عنه لرأيته، قد لف بحجب بعضها فوق بعض، لتصونه من الاعراض، و تمسكه فلا يضطرب و لرأيت عليه الجمجمة بمنزلة البيضة كيما تقيه هد الصدمة، والصكة التي ربما وقعت في الرأس ثم قد جللت الجمجمة بالشعر، حتي صارت بمنزلة الفرو للرأس يستره من شدة الحر والبرد، فمن حصن الدماغ هذا التحصين، الا الذي خلقه و جعله ينبوع الحس، والمستحق للحيطة والصيانة، بعلو منزلته من البدن، و ارتفاع درجته، و خطير مرتبته».

ان المجموع العصبي العظيم هو ذلك الجهاز الحيوي الذي يقوم بجميع ظواهر الحياة من حس و حركة و سمع و بصر و شم و ذوق و لمس و تكلم و تعقل و حب و كراهية و خوف و شجاعة و حزن و فرح و قراءة و كتابة الي كثير غيرها من الأعمال الحيوية الانسانية المختلفة مضافا الي تنظيمه لوظائف سائر الأجهزة الاخري البدنية. فهو اذا أساس الحياة و قوامها و مدبرها.

تركيب هذا المجموع:

هذا المجموع العظيم مركب من جهازين:

أولها: الدماغ والنخاع الشوكي.

ثانيها: النخاع المستطيل مع الأعصاب والعظم السماباتوي، و نحن نذكر لك الآن ما هو موضوع البحث أي «الدماغ».

فالدماغ أي المخ والمخيخ: عبارة عن عضو نخاعي رخو مكون من مادة بيضاء في الداخل سنجابية في الخارج يحيط به غشاء رقيق فوقه غشاء و فوقهما ثالث، و تسمي هذه الأغشية الثلاثة عموما (بالسحايا) و بالانفراد تسمي الأولي الأم الحنون و فوقها العنكبوتية و فوقها الأم الجافية.

انقسام المخ: ينقسم المخ الي قسمين يمينا و شمالا يصل بينهما جسر يسمي (فروليوس) و هذا المجموع من جرم المخ والأغشية قد حفظ ضمن وعاء من العظام يقال له (الجمجمة) أو (القحف) ثم غطي بنسيج بين النعومة والخشونة يدعي جلدة الرأس و عليها شعر كثير كالفرو و تحفظ له توازن الحرارة والبرودة الواردة عليه صيفا و شتاء.

و هذه الجمجمة قد تركبت من ثمانية عظام اتصلت بعضها ببعض بواسطة شؤون و درون بينهما فكونت من اتصالها هذا التجويف الجمجمي الذي يحفظ الدماغ أما عظامها فهي:

1- العظم الجبهي.

3-2- العظمان الجداريان.

4- عظم القفا.

5- العظم الوتدي.

6- العظم المصفوي أو الغربالي.

8-7- الصدغان.

أما المخ و هو أعظم جزئي الدماغ و ثقله قدر تسعة أعشار الدماغ، جميعه و محله الجزء العلوي المقدم من تجويف الجمجمة أعني من الجبهة الي المؤخر، و يحتوي علي مئات من الخلايا الدقيقة المسماة (بالتلافيف) و هذه التلافيف لا يكمل خلقها قبل بلوغ الطفل السنة الثالثة من عمره، كما أنها تختلف اختلافا ظاهرا في أطوار الحياة حيث تكون عند الولادة كل خلية منعزلة عن جاراتها، و عند الطفولة تأخذ أشكالها في الاستدارة مع قنوات صغيرة، و عند الرجولة تعظم و يمتد الربط بينها، ثم يزيدها التمرين نموا و اتصالا.

و من المعلوم أن لكل خلية من تلك الخلايا قوة خاصة اذا فقدتها بأي سبب كان، ظهر الضعف في أداء وظيفتها بمعن أن كل خلية تختص بادراك معني جزئي خاص لا تدركه خلية أخري، و بهذا يمكن أن يقال: ان التعليم هو العمل المقصود به تهذيب و تنمية هذه الخلايا المخية و توثيق عراها و أحكام الصلة بينها لأنها كلها ترتبط معا بخيوط شعرية دقيقة تسمي (الأعصاب الشعرية).

و لتوضيح ذلك اعني لمعرفة أن لكل خلية قوة خاصة في الادراك، نضرب لك مثلا بأنك قد تنظر الي وردة فتراها ثم تنطق باسمها ثم تسمع وصفها ثم تشم عرفها ثم تذوقها ثم ترسم شكلها ثم تكتب وصفها بقلمك ثم تقيسها بغيرها الي غير ذلك من المعاني الجزئية فبهذه الحركات الذهنية والتنقلات في المعاني، ينظم شمل الخلايا المتنوعة التي اختص كل واحدة منها بادراك معني جزئي خاص من هذه الأمور الكلية فاذا كان التعليم بهذه الصورة، فان المعاني تدخل الذهن جميعا و فرادي من أبواب النفس المتفرقة، و تثبت آثارها في الحافظة و يتم اندماجها مع ما في الذهن من المعاني الأخري المخزونة هناك، فتصبح لديك مادة للحياة الفكرية لا يستهان بها.

فالمخ علي هذا يكون سلطان الارادة، و مدبر الحواس الخمس، والحاكم العام علي كل تلك الوظائف المهمة، و منبع الأعصاب الممتدة الي كل الأعضاء لتوصل له الارادة فيحكم بها و مركز القوي الفكرية، و مجلس العقل والعاطفة. أما قشرته الرقيقة فهي صحيفة حساسة تنطبع عليها صور العالم لتكون التذكارات.

و لقد أثبتت الحوادث و حققت التجارب أن العقل مرتبط بالمخ ارتباطا وثيقا لا يمكن انفصاله، خصوصا بعد أن رأت الأطباء تأثير احدهما علي الآخر في الصحة والمرض، ففي حوادث ارتجاج المخ بضربة أو صدمة تري العقل يضطرب والفكر ينعطل، كما أن الحوادث الفكرية نراها تؤثر في المخ فتخلخل كيانه و تضطرب أعصابه أو تنفجر خلاياه حتي قد يحدث الشلل أحيانا في الجسم و أحيانا يصعقه الموت، و لا فرق في أن يكون الأثر هذا من فرح او حزن او غيرهما من المؤثرات الفكرية القوية الاخري.

نظرية بقراط في الدماغ:

شغلت مشكلة طريقة تفاعل الجسم والدماغ فكر بقراط (377-460؟ ق.م) و هو أكثر من يثير الاعجاب بين أطباء العالم القديم. ان ادراكه لوظيفة الدماغ كان مدهشا، و قد كتب قائلا: «في رأيي أن الدماغ هو أقوي أعضاء الجسم البشري. ان العينين والأذنين واللسان واليدين والرجلين كلها تعمل وفقا لما يميزه الدماغ.. و أؤكد أن الدماغ هو المعبر عن الوعي». لكن هذا الادراك المدهش لطبيعة الوعي تناساه أو تجاهله الفلاسفة والأطباء من بعده حتي القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.

لقد فقدت في القرون الوسطي ملاحظات الأقدمين الدقيقة و حل محلها التأملات والتكهنات. [و مع أن العرب كانوا أحرص الشعوب آنذاك علي مراقبة الطبيعة والاستفادة من الاختبار]، فان قسطا بن لوقا (923-864) نفسه، و قد أشكل عليه تفسير بحوث جالينوس (200-130) الذي كان أميز طبيب بعد بقراط في العصور القديمة، راح يصف وظيفة الدماغ بأنه ترتكز علي عمل صمامي لحركات «روح» كامنة بين البطينين.

استمر الاعتقاد بأن الرسائل الصادرة عن الدماغ يحملها سائل يخرج من البطينين و يجري عبر الأعصاب الي العضلات حتي أواخر القرن الثامن عشر، عندما اكتشف لويجي كالفاني (1798-1737)، الذي كان يعمل في ايطاليا، ان الكهرباء اذ تمس ساق الضفدعة تحدث اختلاجا في عضلات هذه الساق.

النظريات الحديثة حول الدماغ:

مع اطلالة القرن العشرين زادت معارفنا العلمية عن طريقة عمل الجسم. فقد توصلنا الي فهم فزيولوجية التنفس والتغذية بالتفصيل، كما تعرفنا الي دقائق التشريح و بنية الأنسجة.

منذ الأربعينات الأخيرة أخذ مفهوم وظيفة الدماغ يتطور بسرعة. فقد مكننا اكتشاف المكبر الصمامي، و في المدة الأخيرة اكتشاف الترنزيستور، من دراسة مفصلة لنشاط الخلايا في أدمغة كل من الحيوانات والانسان. كما أن علم الكيمياء الحياتية أدي بنا الي تفهم الاحداث العميقة التي تحصل في داخل الخلية، و وضع أمامنا تحديدا دقيقا لطبيعة الخلية ذاتها و دقائق تركيبها.

يعتبر الدماغ اليوم عضوا مهمته معالجة المعلومات الوفيرة التي ترده من الحواس. فهو يبني له علي أساسها صورة عن العالم الخارجي، و يصحح هذه الصورة باستمرار وفقا للمعلومات الجديدة الواردة اليه. و ما من شك في أن ما «يراه» الدماغ لا يرتكز علي ما يرده من الحواس و حسب، بل علي رغبته ايضا في كيفية معالجة هذه العلومات و تفسيره لعالمه الخاص. ان لأكثر الناس، علي ما يبدو، ادراكا مشتركا للعالم، غير أن لكل فرد، فضلا عن ذلك، «واقعه» الخاص.

كيف يعمل الدماغ؟

يكمن الدماغ داخل قفص الجمجمة العظمي الواقي، و هو بشكله و سطحه أشبه بلب جوزة ضخمة. للجزء الأكبر منه نصفان متماثلان متصلان فيهما شقوق و طيات و تجعدات، و تغطيه طبقات رقيقة من الغشاء.

تشريح الدماغ:

متوسط وزن الدماغ هو 1380 غراما (3 ليبرات) عند الرجل، و 1250 غراما (ليبرتان و 12 أو نصة) عند المرأة، و هو يتألف من نحو ثلاثين ألف مليون من الخلايا تسمي عصبات. يظن أن للذكاء صلة ما بتعقد بنية الدماغ الدقيقة، و بالاتصالات القائمة بين وحداته، و بتركيبه الكيميائي الحياتي. عند الولادة تكون بنية الدماغ كاملة تقريبا، لكنها تستمر في النمو لغاية العشرين من العمر.

ليس الدماغ جسما متجانسا بل هو أجزاء عدة متميزة نمت ابان تطور الانسان. أقدم الاجزاء، و هي المسؤولة عن الوظائف الحيوية كالتنفس و دورة الدم والنوم، تحتل قاعدة الدماغ و ترتبط بالحبل الشوكي، بينما تلتف الأجزاء التي تكونت بعد ذلك حول الأجزاء القديمة، و هي ذات طيات عدة، تجعل مساحتها كبيرة بالنسبة لحجمها.

يشكل نصفا كرة الدماغ الجزء الأكبر منه. كل نصف كرة هو صورة مرآة للآخر، اذ انه مولج بحركات جهة واحدة فقط من الجسم و احساساتها. فنصف الكرة الايسر يضبط الجهة اليمني والعكس بالعكس. كذلك يضبط الأعمال المعقدة، كالنطق مثلا، نصف كرة احد فقط - هو الأيسر عند أكثرية الناس - و هو الذي يضبط ايضا اليد المتفوقة أي اليد اليمني.

بنية الدماغ و وظيفته:

يشكل نصفا الكرة الدماغية سبعين بالمئة من جملة الدماغ والجهاز العصبي بما فيه أعصاب الجسم. و يتكونان من القشرة، و من طبقة خارجية من المادة السنجابية تحيط بطبقة سميكة من المادة البيضاء تصل بينهما حزمة من الألياف مؤلفة من ألياف عصبية تسمي الجسم الجاسي ء.

تحت القشرة تقيم الفصوص الاربعة التي يتألف منها كل نصف كرة. يتلقي الفص القذالي في مؤخرة الدماغ المعلومات البصرية و يحللها. الفص الصدغي علي جانب كل نصف كرة يختص بالصوت. و قد حدد فيه ايضا موقع بعض الاحساسات السمعية والبصرية القوية. الوظيفة الرئيسية للفص الجبهي هي ضبط الحركات الارادية، و لها ايضا شأن في عملية النطق. أما النواحي الامامية من هذا الفص فيعتقد أن لها علاقة ما بالعقل والشخصية، لكن وظائفها الأساسية ما تزال مجهولة. يرتبط الفص الجداري خصوصا بحاستي اللمس والتوازن. أما حاستا الشم والذوق اللتان لم تبلغا عند الانسان من النمو ما بلغتاه عند الحيوانات الاخري، فيتمثلان بمناطق ضيقة مدفونة في الفصوص الجبهية والصدغية.

عند قاعدة الدماغ، و في ما يسمي بالغمد النخاعي، عنق الدماغ الذي يضبط الوظائف الجوهرية كالتنفس والسعال و نبضات القلب. وراءه و فوقه بقليل يقع المخيخ الذي يقوم بدور هام في تنسيق حركة الجسم و حفظ وضعه و توازنه. بين جانبي المخيخ ما يسمي جسر المخيخ.

ضوابط الانفعالات:

يخترق عنق الدماغ جهاز شبكي من الألياف التي تمر فيها طرق الاحساسات من الحبل الشوكي الي الدماغ. ان هذه المنطقة المتشعثة تضبط المعلومات الواردة من أطراف الحواس و تحدد مستوي الاستجابة.

في وسط الدماغ و حول التجويفات المليئة بأحد السوائل والمدعوة البطينات تتجمع مناطق مهمتها ضبط الكثير من نزعاتنا الاساسية. فالمنطقة المدعوة ما تحت المهاد البصري تضبط الجوع والعطش والحرارة والنزعة العدوانية والنزوة الجنسية.

تلتف حول ما تحت المهاد البصري مجموعة من البنيات تشكل الجهاز الهامشي: الحاجز والرواق واللوزتان و قرن أمون. يظن أن هذه البنيات تتدخل في الاستجوابات الانفعالية كالخوف والعدوان و انها بتفاعلها الشديد تحدث التغيرات في الحالات النفسية. في وسط الدماغ ايضا يقع المهاد البصري و هو عنقود من الخلايا العصبية المرصوصة التي تنقل الدوافع من أعضاء الحس الي القشرة في الدماغ.

في الأحوال العادية يستهلك الدماغ عشرين بالمئة من مجموع الاكسجين المستخرج من الدم. و بدون الاكسجين تنعطب خلايا الدماغ نهائيا و تموت، اذ ليس للدماغ قدرة علي تجديد الخلايا.

لقد شبه الدماغ بالدماغ الالكتروني. لكنه جهاز أكثر تعقيدا منه بمقدار لا حد له. و الكثير من طرق عمله ما يزال سرا غامضا. مع اننا نعرف الي حد ما عمل كل جزء من أجزائه، فمن الخطأ الاعتقاد بأن هذه الاجزاء تعمل مستقلة بعضها عن بعض. انه يعمل كوحدة متفاعلة ذات فعالية كبري، و تقوم اجزاؤه المتعددة بجملة وظائف معقدة تشكل معا ما نسميه الحياة البشرية.

[5] لما عرفت أن الغذاء يرد أولا المعدة، صار كيلوسا نفذ صفوه في العروق الماساريقية الي الكبد، و بعد تولد الأخلاط فيه الي سائر البدن لبدل ما يتحلل، فالمعدة والبطن و ما احتوي عيله البطن من الامعاء والكبد (والأخلاط) بمنزلة خزانة الملك، يجمع فيهما ثم يفرق الي سائر البدن.

[6] الجهاز الهضمي:

تحتاج كل واحدة من ملايين الخلايا الحية الموجودة في الجسم لتؤدي وظيفتها. هذه الطاقة يؤمنها الغذاء الذي نتناوله. اذا وضعت عشرة ملايين خلية جنبا الي جنب لما تعدي طولها المليمتر الواحد (0,04 انش). مع ذلك فكل خلية مصنع كيميائي حيوي معقد، يجب أن تؤمن طاقته من الطعام بدقة.

عملية الهضم:

الهضم عملية يتم فيها التفكك التدريجي للمواد الغذائية الي عناصرها الأساسية: البروتينات الي حوامض امينية (لتأمين اللبنات اللازمة لبناء بروتينات جديدة)، و هيدراتات الكربون (النشاوات) الي سكر عادي، والأدهان الي حوامض دهنية و غليسرين لتزويد الجسم بالطاقة.

قد يسهل فهمنا لخفايا عمليات الهضم اذا تتبعنا مصير سندويش من اللحم والخس خلال الأربع و العشرين ساعة او ما يناهزها التي يمكثها في المجري الهضمي. هذا مثل ملائم، لأنه يحتوي علي عناصر الطعام الاساسية الثلاثة: فاللحم أكثره من البروتين، والخبر غني بهيدرات الكربون، والزبدة دهن، والخس يعطي فضلة من السلولوز غير قابلة للهضم في معظمها.

عندما نأكل السندويش، نمضغه و نمزجه باللعاب القلوي الذي تفرزه ثلاثة أزواج من الغدد اللعابية الواقعة حول الفكين. تصب اللعاب في الفم قنوات صغيرة تحت طرف اللسان و في الخدين.

في هذه المرحلة تكون عملية الهضم قد بدأت، لأن اللعاب يحتوي علي خميرة هضمية، تعرف باسم الاميلاز، من شأنها أن تؤثر في النشاوات (في هذا المثل الخبز) و تبدأ بتحويلها الي ملتوز، و هو نوع من السكر القابل للذوبان.

عندما يدخل الطعام المعدة، يمتزج كليا بالعصير المعدي بفضل عملية المخض التي تقوم بها العضلات القوية لجدران المعدة.

بعد مرور ساعة أو نحو ذلك، يكون السندوتش قد تحول الي لب هو الكيموس، و أصبح جاهزا لدخول الاثني عشري، و هو أول قسم قصير و معقوف من المعي الدقيق.

في المعي الدقيق:

سمي المعي الدقيق بهذا الاسم بسبب قطره لا بسبب طوله الذي يبلغ 7 أمتار (نحو من 23 قدما). يتم علي طول المعي الدقيق القسم الأكبر من عملية الهضم و عملية الامتصاص داخل الدم المجاور. يواجه الكيموس، في طريقه من المعدة الي المعي الدقيق، تغيرا شديدا في البيئة، اذ يصبح قلويا بعد أن كان حمضيا و ذلك بفعل امتزاجه بالعصارات الهضمية التي تنطلق من البنكرياس والمرارة و تصب في الاثني عشري.

البنكرياس غدة يقرب طولها من 18 سم (7 انش)، و تقوم بدور حيوي في عملية الهضم بافرازها خمائر هضمية تفعل في هيدرات الكربون والبروتين والدهن.

يساعد في عملية الهضم ايضا فعل الصفراء الاستحلابي، و هي سائل كثيف اخضر اللون مر الطعم، يصنعه الكبد و يخزن في المرارة.

تفرز بطانة المعي الدقيق ايضا مجموعة كاملة من الخمائر الهضمية، تسمي مجتمعة بالعصير المعوي، و من البروتين و هيدرات الكربون والدهن التي تتحول جميعها آخر الأمر الي حوامض امينية و سكر و غليسرول و حوامض دهنية.

يشكل دخول هذه المواد في المجري الدموي، بعد أن يتم هضمها، المرحلة الاساسية التالية في تأمين المواد المغذية للخلايا. تكثير الثنيات في بطانة المعي الدقيق، لزيادة مساحته، و فيها آلاف النتوءات الاصبعية الشكل التي تعرف باسم الزغب (6,7). يتموج هذا الزغب الي الأمام و الي الوراء فيمس بصورة حميمة الأوعية الشعرية والقنوات اللمفاوية الغزيرة القائمة في كل زغبة.

تدخل الحوامض الامينية والسكر أوعية الدم الشعرية من خلال غشاء الزغبة، و تدخل الحوامض الدهنية والغليسرول الخلايا اللمفاوية، لتنتقل الي الكبد الذي يقوم معا بدور مخزن رئيسي و ورشة تصليح و معمل كيميائي للجسم.

افراز النفايات:

عند هذه المرحلة يكون السندوتش قد تم همضه و امتصاصه و تصنيعه في الكبد. أما القسم الاكبر من الخسة، فيبقي بشكل سلولوز غير قابل للهضصم في نهاية اللفيفي (و هو الجزء الاخير من المعي الدقيق). ثم يمر مع كميات كبيرة من الافرازات المعدية و غيرها من الحطام من خلال اللفيفي الي الأعور، و هو الجيب الكائن في مدخل القولون الذي يؤلف الجزء الرئيسي من المعي الغليظ. وظيفة المعي الغليظ الرئيسية هي استرجاع الماء و مواد كيميائية هامة، باعادة امتصاصها، الي داخل المجري الدموي. يتخلص المعي الغليظ من النفايات، و هي كل ما تبقي من السندوتش - الذي التهم منذ ساعات - عن طريق الشرج و قد اتخذت شكل غائط يتألف قسم كبير منه من الجراثيم الميتة.

[7] لما عرفت أن الله تعالي جعله في الصدر، لأنه أحفظ أجزاء البدن، لأنه فيه محاط بعظام الصدر، و بفقرات الظهر و بالأضلاع، و حجاب القلب بمنزلة غلاف محيط به.

والحجابان اللذان يقسمان الصدر محيطان به أيضا، فهو محجوب بحجب كثيرة كما أن الملك يحتجب بحجب و حجاب كثيرة.

[8] وظائف اليدين والرجلان:

لو فكرت بتركيب بدن الانسان و نظرت بعين البصيرة متأملا في تناسب أعضائه و أحكام أجزائه لأدركت معني قوله تعالي: (لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم)، و لوقفت علي بعض تلك العجائب المبهرة للعقول، و قليل من الحكمة التي تحير الألباب، والابداع الذي يخبت لديه اللب الواعي والفكر السليم، و لكنت مرددا قول الامام أميرالمؤمنين عليه السلام:



أتزعم أنك جرم صغير

و فيك انطوي العالم الأكبر



نعم لو تأملت في الأعضاء التي خلقت أفرادا والتي خلقت أزواجا فانك لتجد في ذلك من الحكمة والتقدير والصواب والتدبير ما يجعلك تخضع لعظمة الخالق خاشعا و تخضع لجلالته صاغرا.

و هكذا اذا فكرت في خلق اليدين أزواجا، فانك ستجد بالضرورة أن الانسان لا يستغني عنهما بيد واحدة بتاتا، و لم يكن خير له في أعماله و معالجة واجباته أن تخلق له يد واحدة لأن ذلك يخل به و يقصر في المحتاج الي معالجته من الأشياء، ألا تري ان النجار والبناء و كل من تكون صناعته يدوية، لو شلت احدي يديه أو قطعت أو اصيبت بما يوقف العمل المطلوب منه، فانه لا يستطيع أن يعالج صناعته بالأخري الصحيحة وحدها، و علي فرض أنه استطاع بتكلف أن يعمل بها ما تريد، أهل تراه يحكم عمله أو أن يبلغ فيه ما كان يبلغه عندما كانت يداه سالمتان تتعاونان معا علي العمل؟

و مثلهما الرجلان اللتان خلقتا زوجا ليحصل بهما المشي والانتقال والقيام والقعود و حمل الأجسام والانتصاب و غير ذلك مما لا غني للانسان عنهما، فانه لو كان له رجل واحدة لامتنع عليه كل ذلك.

و هكذا لو كان له أكثر من رجلين لكان الزائد زائدا لا حكمة تقتضيه و لا حاجة تطلبه.

[9] وصف العينان:

قال الامام الصادق عليه السلام للمفضل: «انظر.. كيف جعلت العينان في الرأس كالمصابيح فوق المنارة، ليتمكن من مطالعة الأشياء، و لم تجعل في الأعضاء التي تحتهن كاليدين والرجلين، فتعترضها الآفات و يصيبها من مباشرة العمل والحركة ما يعللها و يؤثر فيها و ينقص منها، و لا في الأعضاء التي وسط البدن كالبطن والظهر فيعسر تقلبها و اطلاعها نحو الأشياء فلما لم يكن لها في شي ء من هذه الأعضاء موضع، كان الرأس أسني المواضع للحواس، و هو بمنزلة الصومعة لها».

تركيب العين:

ان العين مركبة و مؤلفة من أعضاء أصلية داخلية و أعضاء ملحقة خارجية.

الأصلية: فهي المقلة (كرة العين).

الخارجية: هي الحاجبان والجفنان والعضلات المحركة والجهاز الدمعي.

الملحقة: تتألف من:

الحاجبان: هما قوسان من الشعر فوق الحجابين، يحميان العين من الأشعة الضبائية الشديدة القائمة و يمنعان انحدار العرق من الجبهة الي العين، و يقيانهما من الأجسام الساقطة من الأعلي.

الجفنان: جلدتان مكونتان من أغشية جلدية و عضلية، تضمان المقلة و تحفظانها بانطباقهما عليها بشكل نصف دائرة، و قد خلق الله علي حافتيهما السائبتين صفين منظمين من الشعر الرقيق الناعم يسمي كل واحد منهما (هدبا) يحميان العين من الأنوار الشديدة والغبار، و يحكمان سد الأجفان عند انطباقهما علي العين.

الجهاز الدمعي: جهاز مركب من الغدد الدمعية التي تمتد منها قنوات صغيرة رقيقة تحمل الافرازات الدمعية المرطبة للعين والغاسلة لها من الغبار والجراثيم الخارجية الطارئه عليها. و هذا الافراز الدمعي بعد أداء هذه الوظيفة للعين، يذهب قسم منه الي الخارج عن طريق الأنف و هو الزائد علي الحاجة، و يخزن قسم آخر منه في القناتين الدمعيتين عند المق من كل عين، ليخرج منه عند البكاء، أو عند بعض الحالات النفسية التي تستدعي خروج الدموع.

العضلات المحركة: هي عضلات صغيرة رقيقة ستة تقع داخل الجوف الحجاجي بين كرة العين و احدي نقاط الوجه الداخلي من جوف الحجاج، و هي التي تحرك العين و تدير المقلة من الأعلي الي الأسفل، و من اليمين الي الشمال، بل و جميع الأطراف حسب ارادة الانسان و حاجته، هذه هي الأعضاء الملحقة.

أما المقلة: فهي عضو مركب من خمسة أغشية (طبقات) و ثلاث رطوبات، أما الطبقات فهي:

1- الطبقة القرنية الشفافة المعروفة (بسواد العين) و محلها في وسط الطبقة الصلبة (بياض العين) و هي مستديرة الشكل محدودبة الوضع.

2- الطبقة الصلبة (الملتحمة) المعروفة ببياض العين، و هي غشاء صلب أبيض قوي مفروش علي العين كلها، حافظ لجميع أجزائها.

3- الطبقة القزحية و هي الغشاء المتحرك تحت القرنية والمثقوب في وسطه ثقبا صغيرا يسمي (البؤبؤ) أو (الحدقة). و هذا الغشاء يتلون بألوان مختلفة من أسود و أزرق و أشهب و أخضر، و هو ينقبض و ينبسط حسب شدة الأشعة الواردة عليه او ضآلتها.

4- المشمية و هي غشاء أسود خلف الطبقة الصلبة يمتص الأشعة الضوئية و يكسر حدتها عن أن تصدع نور العين.

5- الطبقة الشبكية و هي آخر الطبقات الي الداخل و أهمها، لأنها تحتوي علي الاعصاب الكثيرة المنبعثة عن العصب البصري من الدماغ نفسه، و في هذه الطبقة المهمة تنطبع جميع صور المرئيات فتوصلها الي الدماغ لتأخذ منه الحكم بتمييزها و معرفتها.

أما الرطوبات الثلاث فهي:

1- الرطوبة البللورية: المسماة (العدسة) لمشابهتها بحبة العدس في تحديب وجهتيها، و موضعها خلف الطبقة القزحية محاط بمحفظة من غشاء قوي وفائدتها كسر الأشعة الضوئية الداخلة الي العين من الخارج، ثم جمعها فوق الشبكية.

2- الرطوبة الزجاجية: هي مائع صاف أبيض كالزجاج يشبه في قوامه الهلام أو المخاط، و هي تملأ الفراغ من الكرة العينية، و لولاها لكانت العين مثل الكيس ملتصقة جدرانها بعضها ببعض، و موضعها خلف الرطوبة البللورية.

3- الرطوبات المائية: هي سائل مائي القوام، يملأ الخزانتين القدامية والخلفية المفصول بينهما بالطبقة القزحية.

فقد ذكر صاحب الرسالة (العلم يدعو الي الايمان) ص 112 عظم ابداع الخلقة في هذا العضو المهم العجيب فقال:

ان عدسات عينيك تلقي صورة علي الشبكية فتنظم العضلات بصورة آلية الي بؤرة محكمة، و هذه الشبكية تتكون في تسع طبقات منفصلة، هي في مجموعها ليست أسمك من ورقة رقيقة دقيقة، والطبقة التي هي في أقصي الداخل، منها تتكون أعواد و مخروطات، و يقال ان عدد الأعواد فيها تبلغ الثلاثين مليونا، و عدد المخروطات فيها تبلغ الثلاثة ملايين، و قد نظمت هذه كلها في تناسب محكم بالنسبة لبعضها، و بالنسبة للعدسات، و لكن العجيب أنها تدير ظهورها للعدسات، و تنظر نحو الداخل لا نحو الخارج، و اذا استطعت أن تنظر في خلال العدسات، فانك تري عدوك مثلا مقلوب الوضع والجانب الأيمن منه هو الجانب الأيسر، و هذا أمر يربكك اذا حاولت ان تدافع عن نفسك، و لذا فان الطبيعة قد عرفت بطريقة ما ماذا سيحدث، و لذا أجرت ذلك التصميم قبل أن تقدر العين علي الابصار، و رتبته بنظم كاملة عن طريق ملايين خويطات الأعصاب المؤدية الي المخ، ثم رفعت مدي ادراكنا الحسي من الحرارة الي الضوء، و بهذا جعلت العين حساسة بالنسبة الي الضوء و عدسة عينيك تختلف في انكشافه، و لذا تجمع كل الأشعة في بؤرة، و لا يحصل الانسان علي مثل ذلك في أي مادة من جنس واحد كالزجاج مثلا. و كل هذه التنظيمات العجيبة للعدسات والعيدان والمخروطات والأعصاب و غيرها، لابد و أنها حدثت في وقت واحد لأنه قبل أن يكمل كل واحد منها كان الابصار مستحيلا، فكيف استطاع كل عامل أن يعرف احتياجات العوامل الأخري، و يوائم بين نفسه و بينهما.

اذا فالعين هي المرآة الصافية التي تنعكس فيها كل الحوائج الحيوية والمؤثرات النفسية، أما اذا انطفأت جذوة الحياة، تعتمت قرنية العين، و انطفأ مصباح نورها كما ينطفي ء المصباح الكهربائي، حينما ينقطع عنه التيار.

النظر والادراك الحسي:

النظر هو احدي وسائل الانسان الرئيسية لتفسير العالم الذي يحيط به، و آلته هي العينان اللتان تظهران في الجنين نافرتين من الدماغ بشكل برعمين. والدماغ هو الذي يحلل الدفعات العصبية الناجمة عن الصور التي تلتقطها العينان فتحدث الرؤية.

تشريح العين:

يتولي بعض أجزاء العين مباشرة التقاط النور، بينما تقوم أجزاء أخري بوقاية البنيات الدقيقة. الاجزاء الواقية تشمل الجفنين المجهزين بالرموش، و هي شعرات غليظة تجمع الغبار، والحواجب الواقعة فوق الأجفان لتمنع تسرب العرق الي العينين. يبطن الجفن غشاء شفاف هو الملتمة، و هي تنثني الي الوراء لتغطي مقدم العين، و يسهل احتكاكها الخفيف فتح العين و اغماضها، و أهم من ذلك، انها تحمي مقدم العين. تقع الغدد الدمعية تحت الجفون.

يدعي غلاف مقلة العين الصلبة، و هي بياض العين الليفي الخشن. الصلبة هي مربط العضلات الخارجية الست التي تحرك المقلة، و هي التي تحفظ شكل المقلة الكروي و تحمي الطبقات الداخلية الناعمة. مقدمتها شفافة ليتمكن النور من الدخول من خلالها، و تسمي القرنية، و هي أهم أجزاء العين، لأنها هي التي تعطي الصورة البؤرية الواضحة. القناة الوسطية تصل العدسة بالبقعة العمياء. لهذه القناة دور أساسي في النمو الجنيني، اذ أنها تنقل الدم الي العدسة. تبطن المشيمة السطح الداخلي من المقلة، و تصبح، عند مقدم العين، الجسم الهدبي الذي يحمل عضلات العدسة و يحدث تغييرا في شكلها. العدسة بلورة محدبة الوجهين، مصنوعة من كبسولة مطاطة مملوءة بنسيج ليفي. تعدل العين لتوضيح الصورة. فعند الرؤية القريبة يتقلص عضلها فتزداد هي سماكة لتأمين الحد الاقصي من قوة التحديق البؤري، وترق هذه السماكة عند رؤية الأشياء البعيدة.

تقع العدسة وراء القزحية، و هي امتداد عضلي ملون للمشيمة، يعطي العين لونها وفقا للميزات الموروثة. يضبط البؤبؤ، و هو فتحة مدورة في القزحية، دخول النور، اذ انه يغير قطره بعمل ارتكاسي من مليمتر واحد الي ثمانية مليمترات (من 0,04 الي 0,32 انشا). تضيق القزحية في النور الباهر و تتسع في النور الخافت.

الخلايا الحساسة للنور:

بعد أن يخترق النور العدسة، يمر من خلال الرطوبة الزجاجية، و هي هلام يملأ مقلة العين القابعة وراء العدسة، ثم يقع علي الشبكية، التي تحتوي علي الخلايا اللاقطة للنور والمتحسسة به، و هي العصيات والمخروطات يميز النور من الظلمة مائة و خمسة و عشرون مليون عصية، بينما تميز الألوان سبعة ملايين مخروط.

تحوي العصيات والمخروطات الأصباغ البصرية، التي تتغير بنيتها تحت تأثير النور، فتتولد عن ذلك دفعات عصبية تبلغ الدماغ لتتحول فيه الي رؤية. تنقسم المخروطات الي ثلاثة أنواع، «الحمراء» و «الخضراء» و «الزرقاء»، و هي تستجيب الي نور هذه الالوان الأساسية التي عن «امتزاجها» معا تنبثق سائر الألوان الفرعية التي نراها.

تتصل العصيات والمخروطات بخلايا عقدية يتفرع عنها مليون ليفة عصبية تخرج من العين عند العصب البصري. في نقطة الالتقاء هذه، المسماة بالبقعة العمياء، لا تبصر العين شيئا. تمتد الاعصاب من كل عين الي الفص القذالي القائم في القشرة الدماغية الواقعة في مؤخرة الدماغ بعد أن تمر «بمحطات الوصل». ان ألياف العصب البصري مرتبة بحيث تنتقل الدفعات الواردة من الجهة اليسري من الحقل البصري من كل عين الي الجهة اليمني في الدماغ والعكس بالعكس. و يتم هذا الانتقال في التصالب البصري الواقع وراء العينين. عن تنسيق الدماغ للمعلومات الواردة من كل عين تنبلج الرؤية المجسمة.

عملية الادراك الحسي:

عندما تثار الخلايا العصبية في الشبكية ترسل الي الدماغ رموزا عن نماذج من درجات النور و من الالوان، فيحل الدماغ هذه الرموز. اذ ذاك نتحسس الأشياء منفصلة و يحصل الادراك الحسي.

أبرز ميزات الادراك الحسي قدرته علي أن يحول نماذج متواصة من الطاقة الواردة علي اللاقطات الي أشياء و أحداث فردية متميزة بزمانها و مكانها، و كل ذلك بفضل نبضات كهربائية من نوع واحد تسري في الألياف العصبية. لأطرف الاشياء، و تعرجات شكلها، أهمية كبري في الادراك الحسي، اذ انها تثير، في قشرة الدماغ المخططة، «لاقطات معالم الأشياء» المختصة بهذا النوع من المحسوسات، والتي تلتقط الاتجاهات والزوايا والحركة كلا علي حدة، فتضم هذه الي بعضها بعضا في مجموعات تنسق بحيث يتم ادراكنا للأشياء. غير أن هذا الامر يتطلب ايضا الكثير من الخبرة المخزونة في الذاكرة.

[10] اذا هو بالمعني الثاني في القلب، و هو مستور بالحجب كما عفرت، فلابد له من آلة ظاهرة توصل اليه أحوال الأشياء النافعة والضارة.

و بالمعني الثالث لما كان ادراكه موقوفا علي الأعضاء والآلات و لا يكفي في ذلك الروح الذي في القلب حتي يسري الي الأعضاء التي هي محل الادراك فيصدق أنه محجوب بالحجب بهذا المعني.

ثم ان سائر الحواس الخمس من السامعة والشامة والذائقة واللامسة و ان كانت أسوة للباصرة في ذلك، فان بالسامعة يطلع علي الأصوات الهائلة، والأشياء النافعة التي لها صوت فيجلبها، والضارة فيجتنبها، و كذا الشامة تدله علي المشمومات الضارة والنافعة، والذائقة علي الأشياء النافعة والسموم المهلكة، واللمسة علي الحر والبرد و غيرهما.

لكن فائدة الباصرة أكثر، اذ أكثر تلك القوي انما تدرك ما يجاورها و ما يقرب منها، والباصرة تدرك القريب والبعيد، والضعيف والشديد، فلذا خصه عليه السلام بالذكر و لذلك جعلها الله في أرفع المواضع في البدن و أحصنها و اكشفها.

[11] وصف الأذن:

قال الامام الصادق عليه السلام للمفضل: «خلق السمع ليدرك الأصوات، فلو كانت الأصوات و لم يكن سمع يدركها، لم يكن فيها أرب، و كذلك سائر الحواس ثم يرجع هذا متكافئا، فلو كان بصر و لم تكن الألوان، لما كان للبصر معني ولو كان سمع و لم تكن الأصوات، لم يكن للسمع موضع، فانظر كيف قدر بعضها يلقي بعضا، فجعل لكل حاجة محسوسا يعمل فيه، و لكل محسوس حاسة تدركه».

تقسيم السمع و عضوه الأذنان: وأما السمع و عضوه الأذنان، و كل منهما مؤلف من ثلاثة أقسام:

1- الأذن الظاهرة.

2- الأذن المتوسطة.

3- الأذن الداخلية.

أما الظاهرة (الخارجية): فهي عبارة عن الصوان أي القسم البارز المفرطح الملتصق علي جانبي الرأس الأيمن والأيسر، و وظيفته جمع التموجات الهوائية المتكونة من الأصوات الخارجية، ثم القناة السمعية المسماة (بالصماخ) و ينتهي بالطبلة و وظيفته نقل تلك التموجات الي الطبلة، و توجد في هذه القناة مادة شمعية مرة الطعم جدا، تسمي (الصملاخ) وفائدتها منع دخول الحشرات والحيوانات الصغيرة الي داخل الأذن، و قتلها اذا دخلت بمرارتها الشديدة.

والأذن المتوسطة هي غشاء الطبلة الموضوعة فوق تجويف واقع بين القناة السمعية والأذن الداخلية، مع التجويف نفسه المحتوي علي ثلاث عظيمات دقيقة جدا.

أولها و هو متصل بالطبلة (العظم المطرقي) و بعده (العظم السنداني) المتوسط ثم (العظم الركابي) و هو الأخير، و هذه العظيمات متصل بعضها ببعض اتصالا مفصليا علي شكل سلسلة متحركة أحد طرفيها متصل بالطبلة و هو المطرقي والأخير متصل بفتحة الدهليز الداخلي من الأذن الداخلية و هو الركابي، ثم أن هذا التجويف الطبلي ايضا متصل بالقسم العلوي من البلعوم بقناة دقيقة تسمي (بوق استاكيوس) و فائدة هذا البوق هي ايصال الهواء الجوي الي التجويف المذكور من البلعوم ليتوازن الضغط الخارجي والداخلي للهوائين الواردين علي الطبلة، حتي يستقيم السمع بذلك و لا تنصدع الطبلة.

أما الأذن الداخلية: فهي الجزء المهم من حاسة السمع، و قد ألفت من ثلاثة أجزاء «الدهليز» و «القنوات الهلالية»، و «القوقعة».

أما الدهليز: فهو تجويف صغير يوصل القنوات الهلالية بالقوقعة، والقنوات الهلالية عبارة عن ثلاث قنوات منحنية انحناء هلاليا، و مملوءة بسائل لمفاوي قليل.

والقوقعة: قناة أخري حلزونية الشكل تدور حول عمود مركزي، و تنقسم بواسطة صفيحة لولبية الي قسمين، و تنتشر عليها فروع العصب السمعي الموصلة لتموجات الأصوات الي المخ (الحاكم المطلق). هو تركيب الأذن التشريحي علي وجه الاجمال.

كيفية السماع: أما كيفية السماع، و هي أن الأمواج الهوائية التي تحدثها الاصوات في الخارج تدخل أولا الي الصوات، فتولد فيه اهتزازات تطرق غشاء الطبلة، فيحدث اهتزاز آخر في العظام السمعية، من المطرقي الي السنداني الي الركابي، و هذا الأخير ينقلها الي غشاء داخلي آخر يسمي (غشاء الكوة البيضية) الذي ينقله بدوره الي السائل الموجود داخل الدهليز فيهتز بما فيه من القنوات الهلالية والقوقعة، و بذلك تتنبه الخيوط العصبية السمعية السابحة في ذلك السائل. من هنا تصل انطباعات تلك التموجات الي المخ، فيدركها و يحصل السماع. فسبحان المبدع العظيم.

قال صاحب كتاب «العلم يدعو الي الايمان» عند بيان خلقة الأذن و اتقان صنعتها، مستدلا علي استحالة وجود الصدفة في مثلها، و وجوب صدورها من حكيم:

ان خزائن أذن الانسان، سلسلة في نحو أربعة الآف حنية «قوس» رقيقة معقدة متدرجة بنظام بالغ في الحجم والشكل. و يمكن القول بأن هذه الحنيات تشبه آلة الموسيقي، و يبدو أنها معدة بحيث تلتقط و تنقل الي المخ بشكل ما كل صوت او ضجة من قصف الرعد الي حفيف الشجر، فضلا عن المزيج الرائع من كل أداة موسيقية و اذا كان المراد عند تكوين الأذن أن تحسن خلاياها الأداء كي يعيش، فلماذا لم يمتد مداها حتي تصل الي ارهاف السمع فهل القوة التي وراء نشاط هذه الخلايا قد ترقبت حاجة الانسان في المستقبل، لا الاسماع الذهني فقط، أم الصدفة شاءت تكوين الأذن خيرا من المقصود. كلا ثم كلا. لقد ثبت في علم الطب الحديث، و أصبح من البديهي المسلم لدي نطس الاطباء بعد التجارب الكثيرة والبحث العلمي في كيفية السماع، أن بين منبع الصوت والأذن السامعة توجد علي الدوام مسافة، و هذه المسافة لابد و أن تكون مملوءة بجسم ذي مرونة لدرك الصوت بتموجاته، و هذا الوسط المرن لم يكن بوجه عام سوي الهواء، فاذا لم يكن هذا الوسط المرن بين السامع والمسموع لم يدرك الصوت، و لذلك لم يسمع صوت في المحل الخالي من الهواء البتة.

حاسة السمع (الأذن): ان في سماعها لأنواع الأصوات والنغمات أثرا بليغا في صحة الجسم والنفس و انحرافهما، لأن الأصوات اذا كانت ذات أنغام حسنة انعشت البدن و أبهجت الروح والنفس، والعكس بالعكس، كما أنها اذا كانت مخيفة أو مكدرة او مهيجة او مخجلة او محبوبة جاذبة او بغيضة مزعجة، كان لها أثرها فيهما، علي أن السماع يتوقف عليه سير السامع في معاملاته مع الناس و في محادثاته و محاوراته معهم، و فيما يكسبه من علم و صناعة و في تدريسه و تعليمه و فيما يؤثر عليه مما يحس به من همس الناس و كلامهم له أو عليه، الي كثير من أمور أخري لا غني له عنها في حياته الفردية والاجتماعية.

عدم السمع: اذا عدم السمع فانه و لا شك يختل في أمور كثيرة، لأن الانسان اجتماعي بالطبع يحتاج الي المخاطبة والمحاورة في معاملاته و معاشرته مع غيره و هذه كلها يفقدها اذا فقد السمع اذ لا يستطيع عند فقده أن يفهم ما يقال له و لا أن يتفاهم في مطلب من المطالب مضافا الي ما يفقده من لذة استماع الأصوات واللحون مطربة كانت أو مشجية، من استفادته من مجالسه و جلسائه حين يتكلمون، فلا يسمع أخبار الناس و أحاديثهم، بل و لا يعرف ما له و ما عليه، فهو كأنه غائب و هو شاهد، أو ميت و هو حي، و بهذا تعظيم مؤفته علي الناس في محاوراته، و يصبح ثقيل الظل حتي علي أهله و أصحابه، و بديهي ان هذه الحال مما يكدر الحياة و يجعلها جحيما علي عديم السمع، بحيث لا يطاق تحملها البتة.

فيا لها من نعمة جليلة، لا يعرف قيمتها الا فاقدها، و لا يدرك ضرورتها الا من حرمها، فسبحان واهبها من منعم متفضل.

السمع والتوازن:

ليست الأذن مولجة بالسمع و حسب، بل بوضع الجسم والتوازن ايضا. يعرف الجزء المرئي من الأذن، او صوان الاذن المصنوع من جلد و غضروف، والقناة السمعية التي يحفظها الصوان، بالأذن الخارجية. يحمي القناة شعر و غدد عرقية معدلة تفرز مادة شمعية هي الصملاخ. يحول الشعر والصملاخ دون تسرب الجسيمات الضارة والجراثيم الي داخل الأذن.

وضعت آليات الأذن الدقيقة داخل عظم الجمجمة لوقايتها. ففي طرف القناة السمعية تقع طبلة الأذن او غشاء الطبلة. الي الجانب الآخر يقع تجويف الأذن الوسطي الذي يتصل بمؤخر الحلق بواسطة قناة تعرف باسم انبوب يوستاكيوس. لهذا الأنبوب فتحة علي الأنف والحلق، و هو يؤمن كمية اضافية من الهواء الآتي من الداخل ليوازن ضغطه ضغط الهواء القادم من خارج غشاء الطبلة.

تقع عبر تجويف الأذن الوسطي ثلاث عظم صغيرة تصل طبلة الأذن بالأذن الخارجية، هي المطرقة والسندان والركاب المسماة مجتمعة العظيمات السمعية، و هي أصغر عظام الجسم، مهمتها نقل اهتزازات طبلة الأذن الي غشاء يسد الأذن الداخلية اسمه النافذة البيضوية. تحتوي الأذن الداخلية انبوبا لولبيا مليئا بسائل يشبه محارة الحلزون و يعرف بالقوقعة. هنا تتحول الاهتزازات الي دفعات عصبية يدركها الدماغ كصوت.

كيف يصل الصوت الي الدماغ:

الصوت هو اهتزازات هوائية تموجية لها صفتا السعة (طول الموجات) والتردد (عدد الاهتزازات في الثانية الواحدة). فاذا كان الصوت عاليا يكون طول موجته كبيرا. و كلما ارتفعت حدة النغمة الصوتية، كلما كانت الذبذبة كثيرة.

لا يحمي الصوان الأذن فحسب، لكنه يوجه الصوت ايضا نحو القناة السمعية، فتمر موجات الصوت فيها و تحدث ارتجاجا في طبلة الأذن. عندها تستجيب العظيمات لحركات الطبلة هذه، ثم تعمل كرافعات فتضخم شدة الاهتزاز أكثر من عشرين ضعفا دون أن تغير ذبذبتها. ينقل هذه الاهتزازات عظم الركاب الي السائل الموجود في القوقعة عبر النافذة البيضوية.

يقسم القوقعة الي تجويفين غشاء يسمي الغشاء القاعدي، و علي طوله تمتد بنية معقدة اسمها جسم كورتي. تحدث موجات الصوت السارية في السائل علي طول هذا الغشاء اهتزازا في خلايا جسم كورتي الحساسة. الأصوات الحادة تهز الغشاء القاعدي عند طرفه الأسفل فقط، أما الاصوات المنخفضة فتهزه بكامله. هذه المعلومات تنقلها الي الدماغ مجموعة تربو علي ثلاثين الف شعيرة عصبية مستقلة.

الصمم و غيره من شوائب السمع:

ثمة نوعان من الصمم، أحدهما الايصالي، ناجم عن عقبة تعترض مرور الصوت في طريقه الي الأذن الداخلية. قد ينتج هذا النوع من الصمم عن انسداد القناة السمعية (بالصملاخ احيانا)، أو عن ثقب في الغشاء الطبلي، او عن سائل او التهاب او خراج في الأذن الوسطي، او عن خلل في نمو احدي العظيمات الثلاث القائمة في هذه الأذن. لكن الصمم الأكثر شيوعا ربما كان النوع الثاني و هو الصمم الحسي العصبي، او الادراكي، الناجم عن عطب في الأذن الداخلية او عن نقص في نموها. باستثناء العطل الفطري ينجم هذا النوع من الصمم عن مرض او جروح في الرأس، او التهاب فيروسي، او تعرض طويل لضجيج صاخب او عن مجرد الشيخوخة.

حس التوازن:

تحتوي الأذن الداخلية، بالاضافة الي القوقعة، علي ثلاث قنوات ملأي بسائل، هي القنوات نصف المستديرة و جيبين هما الكييس والقريبة هذه المجموعات لا علاقة لها بالسمع، بل هي مولجة بالتوازن والوضع.

تنتظم الانابيب نصف المستديرة الثلاثة بشكل زوايا قائمة بالنسبة الي بعضها بعضا، فتلتقط حركات الرأس أيا كان مستواها. ففي اخر كل انبوب جيب يحوي خصل شعر مجهزة بألياف عصبية. وكلما تحرك الرأس اندفع السائل في انبوب او أكثر، و عندها تتحرك الألياف، فتنبي ء الدماغ بواسطة اعصابها عن وضع الجسم.

أما القريبة والكييس فانهما ينبآننا عن تغيرات وضع جسمنا بالنسبة الي جاذبية الأرض، و هما يحتويان، كالانابيب نصف المستديرة، علي خصل شعر متصلة بأعصاب، و محاطة بمادة هلامية، فيها بلورات صغيرة جدا من كربونات الكلس، تسمي حصي الأذن.

عندما تتحرك البلورات بتأثير الجاذبية، تدفع الشعرات، فتطلق دفعات عصبية نحو الدماغ. في الدماغ تضم كل هذه المعلومات الواردة من أعضاء التوازن الي الدفعات العصبية الواردة من العين، و تنسق معا لمراقبة وضع الجسم و ضبطه.

[12] وحي الملك كناية عن ارادة السماع و توجه النفس اليه، و انصاته عبارة عن توجه النفس الي ادراكه و عدم اشتغاله بشي ء آخر ليدرك المعاني بالألفاظ التي تؤديها السامعة.

و ريح الفؤاد هي الهواء التي يخرج من القلب الي الرئة والقصبة. و بخار المعدة تصل الي تجاويف الرئة أو الي الفم فيعين الكلام، أو المراد ببخار المعدة الروح الذي يجري من الكبد بعد وصول الغذاء من المعدة اليه الي آلات النفس.

[13] أي بعض أدوات الصوت عن بعض، لمدخلية الجميع في خروج الصوت و تقطيع الحروف و ارجاع الضمير الي الأسنان بعيد.

[14] أي كما يزين النافخ في المزمار صوته بترديد صوته في الأنف، و قيل: أي كما يزين النافخ في المزمار صوت المزمار بثقبة تكون خلف المزمار تكون مفتوحة دائما.

و ذلك لأن الهواء يخرج بالعنف من قصبة الرئة في حال التنفس، فاذا وصل الي الحنجرة حدثت فيه تقطيعات مختلفة لاصاغة الحروف فاذا كثرت الأهوية و ازدحمت و لم يخرج بعضها من المنخرين أشكل تقطيع الحروف و لم يتزين الصوت، كما أن الثقبة التي خلف المزمار منفتحة دائما لئلا تزداد الأهوية المتموجة فيها، فلا يحسن صوته.

[15] و أيضا يعين الهواء الخارج من المنخرين علي بعض الحروف و صفات بعضها كالنون و أشباهه، و كل ذلك يشاهد فيمن سد الزكام أنفه.

[16] وصف الأنف:

الأنف حاسة الشم وعي عند الانسان حفرة عظمية موضوعة في ممر الهواء الذي يتجه الي الرئتين بالتنفس فهي دائما في اتصال بالروائح المختلفة المحمولة في الهواء.

هذه الحفر متصلة بفتحتين من جهتها الخارجية موضوعتين أعلا الفم تسمي الفتحات الأنفية و هما مغشاتان بغشاء مخاطي ناعم اسمه الغشاء النخامي فيه عدة ثنيات حكمتها زيادة سطح ذلك الغشاء لتقوية حاسة الشم. هذه الثنيات اسمها القرينات و هي مكونة من صفائح من عظم داخل الحفر الأنفية و يوجد تجاويف محفورة في سمك عظام الجبهة و في الفك العلوي و خلافه كل ذلك لتقوية ادراك هذه الحاسة الخطيرة. تنفتح الحفر الأنفية من الخلف في البلعوم خلف اللهاة، متصل بالغشاء النخامي المار ذكره أعصاب آتية من الجمجمة متفرعة من اعصب الشمي، و هي فروع دقيقة تمر من ثقوب صغيرة و تتأثر بالروائح المختلفة فتنقل ذلك الاحساس الي المخ فتدركه الروح هنالك علي الأسلوب الذي قدره الخالق عزوجل.

الغشاء النخامي محلي بجملة غدد مخاطية لحفظه رطبا دائما، و لولا ذلك لصعب عليه ادراك الروائح. و هنالك ارتباط بين حاستي الذوق والشم فاذا أصاب الانسان زكام (و هو عبارة عن انتفاخ في الغشاء النخامي مع زيادة في الافراز) تأثرت حاسة الذوق و عدمت حتي يزول الزكام.

الشم والذوق:

يؤلف كل من حسي الشم والذوق جزءا من جهاز يؤمن لنا عينات عن العالم الميحط بنا و يمد الدماغ بالمعلومات. هما حسان كيميائيان مستقلان، لكنهما متصلان اتصالا وثيقا. لا يعملان عند الانسان علي مسافة بعيدة، الا أن الذوق، و هو أضعف الحسين، يعتمد الي حد ما علي حس الشم ليزيد من فعاليته.

حس الشم مركز في رقعتين صغيرتين من النسيج الظهاري الشمسي في الأنف، و هو يلتقط أية رائحة يحملها اليه الهواء. أما حس الذوق المركز في اللسان فهو يلتقط المواد الكيميائية في الفم فقط. لكن ارتباط الحسين وثيق لدرجة أن الرائحة الكريهة تترك طعما كريها في الفم، و أن التلذذ بالطعام انما هو استجابة لاحساسات صادرة عن اللسان والحلق والأنف. لا يتذوق الطعام من كان به زكام، لأن أنفه يكون مسدودا.

حس الذوق:

يمكننا حس الذوق من تذوق الطعام والشراب، و ينبهنا اذا كان الطعام رديئا أو نتنا. أهم أعضاء الشم اطراف عصب مجهرية تسمي براعم الذوق، و هي تغطي اللسان، والي حد ما بعض جوانب الفم الأخري، و تقع ضمن نتوءات صغيرة تسمي الحليمات.

السوائل وحدها تذاق. فالجوامد في فم ناشف لا تحدث احساسا ذوقيا، لأن براعم الذوق لا تتأثر الا عندما تذوق مواد الطعام الكيميائية في اللعاب و تجري فوق هذه البراعم.

عندما تثار الخلايا اللاقطة تعطي اشارات تنقل الي مراكز الذوق في الدماغ بواسطة زوجين من الاثني عشر زوجا من الأعصاب القحفية، هما العصبان اللسائيان البلعوميان والعصبان اللسانيان.

تلتقط براعم الذوق أربعة طعوم أساسية فقط، هي الحلو والملح والحامض والمر، الا أن بعض الخبراء يعتقدون انه يمكن ايضا الاحساس بطعم معدني و بطعم قلوي. يمكن اعتبار أكثرية الطعوم خليطا من الاربعة الاساسية. تلتقط أجزاء مختلفة و بعض الطعوم لا تختلط. ليس في وسط اللسان حس للذوق، بل تتجمع براعم الذوق بأعداد كبيرة في مؤخرة اللسان.

كيف يعمل الشم؟

ان حس الشم أقل أهمية بالنسبة للانسان من سائر الحواس، و ما نعرفه عنه أقل ما نعرفه عن غيره، و هو عند الانسان أضعف جدا منه عند أجناس كثيرة من الحيوانات. فذكر الفراشة مثلا يشم رائحة الأنثي علي بعد أميال عدة. لقد تقلص حس الشم عند الانسان أثناء مراحل التطور، لأن الانسان أخذ يعتمد أكثر فأكثر علي النظر والسمع.

يقوم النسيج الظهاري الشمي في أعلي التجويف الأنفي، و هو الجيب الضيق العالي من الانف. أرضية هذا التجويف هي سطح الفم، و سقفه هو قفص الدماغ، و يبطن هذا التجويف بكامله غشاء مخاطي ناعم و دافي ء هو جزء معدل من الجلد و فيه شرايين دموية غزيرة.

تفرز الغدد القائمة في هذا الغشاء المخاطي سائلا لزجا يغطي وجه الغشاء و يحفظ داخل التجويف رطبا. تنبت من النسيج الظهاري أهداب، و هي شعيرات مجهرية تقذف المخاط باستمرار الي الحلق، فيدفعه التنشق والبلع نحو المعدة.

يدخل الهواء من المنخرين، و يصفي أولا في شبكة من الشعر الواقي، ثم يسخن و ينظف الي حد ما عند مروره فوق سطوح التجويف الانفي اللزجة. عندما يندفع نحو الرئتين، يمر فوق رقعتين من النسيج الظهاري الحساس في سقف الانف.

التقاط الروائح:

اننا لا نعرف كيف تلتقط الخلايا الحساسة الروائح، لكن يظن العلماء أن جزئيات من بخار كيميائي يحملها الهواء ترسب علي المخاط و بطريقة ما تجعل الشعيرات حساسة. تتصل هذه بأجسام الخلايا الواقعة تحتها، فتولد هذه بدورها دفعة في الألياف العصبية المتشابكة معها. تمتد هذه الالياف من الغشاء الشمي الي البصلات الشمية المتصلة مباشرة بالدماغ.

تساهم في حس الشم لاقطات اللمس في الانف، فرائحة النشادر الحادة مثلا تعرف الي حد ما من الاحساس بالألم في الانف، و رائحة النعنع تنطوي جزئيا علي احساس البرودة.

يتكيف حس الشم بسرعة مع الروائح الجديدة. فاذا التقت رائحتان معا في وقت واحد، نتبين أولا احداها، ثم نتبين الثانية. لكن بعدما تتشبع اللاقطات برائحة ما، تزول هذه الرائحة بسرعة، و هذا ما يفسر كيف أننا نتحمل رائحة كريهة كنا بدأنا بالاشمئزاز منها. تدعم حس الشم ذاكرة ممتازة، اذ يمكن للاقطات حسية حسنة التدريب أن تميز بين عشرة آلاف رائحة مختلفة. يختلف الاحساس بالروائح بين الجنسين، اذ ان أكثر النساء لا ينتبهن لرائحة القهوة و رائحة القطران بقدر ما ينبه لهما الرجال.

[17] و أما أن أصل الحزن في الطحال فلما عرفت أنه مفرغة للسوداء البارد اليابس الغليظ، و هي مضادة للروح في صفاتها، و فرح الروح و انبساطه انما هو من صفاء الدم و خلوصه من الكدورات فاذا امتزج الدم بالسوداء غلظ و كثف و فسد، و يفسد به الروح، و لذا تري أصحابه الأمراض السوداوية دائما في الحزن والكدورة والخيالات الباطلة، و علاجهم تصفية الدم من السوداء.

وصف الطحال:

الطحال عضو لحمي مستطيل علي شكل اللسان متصل بالمعدة من يسارها الي خلف حيث الصلب، مهندما مقعرة علي محدب المعدة، مرتبطا بها بعرق يصل بينهما و يوثقه شعب كثيرة العدد صغيرة المقادير تتشعب من الصفاق و تتصل به و تتفرق فيه. و حدبته تلي الأضلاع تستند بأغشيتها، لأنه ليس متعلقا بها برباطات كثيرة قوية بل بقليلة ليفية.

و من هذا الجانب تأتيه العروق الساكنة والضاربة الكثيرة لتسخنه و يقاوم برد السوداء المندفعة اليه و يهضمها. و لحميته متخلخل ليسهل قبوله الفضول السوداوية.

و له عنق يتصل بمقعر الكبد حيث يتصل عنق المرارة، به ينجذب (يجذب) السوداء من الكبد و عنق آخر ينبت من باطنه متصل بفم المعدة به يدفع السوداء اليها. و يغشيه غشاء نبت من الصفاق، و شأنه أن يكون مفرغة للسوداء الطبيعي كما دريت. و ليس لبعض الحيوانات، والذي للجوارح منها صغير.

[18] غشاء علي المعدة والأمعاء ذو طبقتين، بينهما عروق و شرايين و شحم كثير، و منشؤه من فم المعدة، و منتهاه عند المعاء الخامس المسمي بقولون كما مر و سبب كون الفرح منه أنه بسبب كثرة عروقه و شرايينه يجذب الدم و رطوبته الي الكلية، فيصير سببا لصفاء الدم و رقته و لطافته، فينبسط به الروح.

[19] وصف الكلية:

و أما الكليتان فكل واحدة منهما مثل نصف دائرة، محدبها يلي الصلب لتسهل الانحناء الي قدام. و لحمها لحم ملزز (أي شديدا لصيقا) ليكون قوي الجوهر غير سريع الانفعال عما ينجذب اليها من المائية الحادة التي يصحبها خلط حاد، و ليقدر الانسان بسبب قدرة الكلية علي هذا الامساك علي امساك البول الي وقت اختياره، و ليمنع عن نشف غير الرقيق و جذبه و لتدرك بتلزيزه ما وجب من صغير حجمه. و في باطن كل واحد منهما تجويف يجتمع فيه ما يتحلل اليها لتميز قوتها الغاذية الدموية من المائية و تصرفها الي غذائها، ثم يرسل المائية الي المثانة. و لكل منها عنق متصل بالأجوف من الكبد ليجذب المائية و آخر متصل بالمثانة ليرسل مائيته اليها. و وضعت اليمني أرفع من اليسري ليكون أقرب من الكبد.

و انما جعلت زوجا لكثرة المائية و تضييق المكان علي الكبد والأعور والطحال والقولون ان جعلت واحدة في أحد الجانبين و كان مع ذلك لا يستوي القامة بل تكون مائلة الي جهتها، أو علي المعدة والأمعاء ان جعلت في الوسط و كان مع ذلك يمنع الانحناء الي قدام، علي أن كل عضو من الحيوان خلق زوجا، والذي لا يري زوجا فهو ذو شقين، كما يظهر بالتأمل، و قد قال سبحانه: (و من كل شي ء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون) [الذاريات: 49].

[20] أي الأعضاء والجوارح.

[21] أي القلب، لما عرفت أن الروح بعد سريانه الي الدماغ و الي الكبد يرجع الي القلب، و سريانه من القلب الي الأعضاء والجوارح ظاهر.

و مثل عليه السلام لذلك مثالا و مصدقا، و هو أنه اذا تناول الانسان الدواء و ورد المعدة تصرفت فيه الحرارة الغريزية، ثم تتأدي آثاره و خواصه من طرق العروق الي موضع الداء باعانة الجوارح والاعضاء، فهي طرق للقلب الي الأعضاء.

قال المجلسي (ره): يحتمل أن يراد بالعمال هنا و في أول الخبر القوي المودعة في كل عضو بتوسط الروح الساري فيه، و هي بكونها عمالا و نوابا للروح الذي (هي) في القلب أنسب، والتمثيل حينئذ أظهر، لأنه يسري أثر الدواء في العروق الي كل عضو، ثم تتصرف فيه القوي المودعة فيه (من) الغاذية والنامية والدافعة والماسكة و غيرها، حتي يتم تأثيرها فيه. كما أن الملك اذا بعث شيئا الي عامل من عماله فهو يأخذه و يصرفه فيما يناسبه من المصالح فالمراد بالعروق في صدر الخبر القوي المودعة فيها، و ههنا نفس العروق.

[22] جهاز الدورة الهضمية والدورة الدموية

في كلام الامام الرضا عليه السلام لفتة بارعة في دخول الدواء الدورة الدموية و توزيعه علي الاعضاء.

قال الامام الصادق عليه السلام: فكر يا مفضل في وصول الغذاء الي البدن و ما فيه من التدبير، فان الطعام ليصير الي المعدة فتطبخه و تبعث صفوه الي الكبد في عروق دقاق واشجة بينهما قد جعلت كالمصفي للغذاء لكيلا يصل الي الكبد منه شي ء فينكأها، و ذلك أن الكبد رقيقة لا تحمل العنف ثم أن الكبد تقبله فيستحيل بلطف التدبير دما، و تنقله الي البدن كله في مجار مهيأة لذلك بمنزلة المجاري التي تهيأ للماء ليطرد في الأرض كلها، و ينفذ ما يخرج منه من الخبث والفضول الي مغائض قد أعدت لذلك، فما كان منه من جنس المرة الصفراء جري الي المرارة، و ما كان من جنس السوداء جري الي الطحال، و ما كان من البلة والرطوبة جري الي المثانة.

ذكر الامام الصادق عليه السلام في هذا الفصل جهازين مهمين من أجهزة البدن و هما؛ جهاز الدورة الهضمية و جهاز الدورة الدموية بعبارة وجيزة جمع فيها خلاصة لقول نطس الاطباء و مهرة المشرحين و ما اتفق عليه القدماء والمحدثون و سنذكر لك عند بيان الدورة الدموية أن الامام عليه السلام كان بحق هو المكتشف الأول لمعرفة الدورة الدموية قبل اكتشافها اليوم بثلاثة عشر قرنا، و اليك تفصيل ذينك الجهازين:

أما الدورة الهضمية فيحتاج بيانها الي معرفة الغذاء و ذكر أعضاء الهضم. أما الغذاء فهو تلك المواد الخارجة عن الجسم المحتاج اليها الانسان والحيوان في تعمير جسمه و ترسيم بنيته بصيرورته بدل ما يتحلل منه مع تأمين حرارته باحراقه داخل الأنسجة. أما حاجة الانسان والحيوان اليه فهي عندما يحس بالجوع أو العطش و علي الأغلب تقسم الي نشائية و سكرية و شحمية و معدنية و زلالية، قد تكون حاوية لأحدها أو لاثنين منها أو ثلاثة أو أكثر.

أما أعضاء الهضم فهي: الفم والأسنان والغدد اللعابية والحلقوم والمري ء والمعدة والغدد اللعابية المعدية والبنكرياس والمرار و عروق الماساريقا الموصلة بين الكبد والمعدة.

أما عملية الهضم فهي مجملا تكمل بعملين مهمين أحدهما طبيعي والآخر كيماوي أما الطبيعي فهو عبارة عن تقطيع الغذاء بالأسنان و طحنه بالأضراس والطواحن ثم تقليبه باللسان لمزجه باللعاب ثم سوقه الي المعدة ثم الي الأمعاء ثم امتصاص الكبد خلاصته ثم اخراج فضلاته الي الخارج.

أما العمل الكيماوي فهو عبارة عن اذابة المواد الغذائية و تحليلها و جعلها صالحة و مستعدة للامتصاص ثم استحالتها دما نافعا مغذيا للأعضاء. و تفصيل ذلك: أن الغذاء اذا دخل الي الفم بادرت الأسنان الي تقطيعه و طحنه. ثم يمضغ بتحريك الفك الأسفل فقط، أما الفك الأعلي فانه يبقي ثابتا لا يتحرك، ثم يقلبه اللسان و يساعد الفك والخد والشفتان بتحريكهما علي مضغ الغذاء. و في أثناء هذا المضغ ينصب اللعاب من الغدد اللعابية في الفم علي الكتلة الغذائية ليمتزج بها و يحيل المواد النشائية الموجودة فيها الي مواد سكرية بما فيه المادة المسماة (تابلين) لذلك تري اللقمة اذا مضغت جيدا حصل فيها طعم حلو محسوس. و هنا تستعد اللقمة للازدراد فتتجمع علي اللسان بعد أن يتقعر حولها و يكون كالميزاب ثم يرتفع رأسه القدامي و ينطبق علي اللقمة و يضغط عليها ليسوقها نحو البلعوم تدريجا. أما البلعوم فيرتفع في أثناء هذه العملية ليلتقي باللقمة المنحدرة اليه. فاذا وردت اليه، تقلص من فوقه الي أسفله فيدحرجها الي المري ء، و في زمن انحدار اللقمة من الفم الي البلعوم الي المري ء تسد الفتحات الخلفية بشراع اللهاة والحنك، و تسد الفتحة العلوية للحنجرة بلسان المزمار لكيلا يدخل شي ء من الطعام الي قصبة الرئة. ثم عند وصول اللقمة الي المري ء يتقلص هو ايضا كتقلص البلعوم من فوق الي أسفل، ليدحرج اللقمة الي المعدة. و هذه العملية كلها تسمي (الازدراد) و عندما تصل الي المعدة تفرز عليها بعد مكوثها قليلا من الغدد الموجودة داخل الغشاء المخاطي للمعدة العصارة المعدية المحتوية علي المادة الهاضمة المسماة (ببسين) لتذوب المواد الزلالية في تلك الكتلة الغذائية. و هنا يأخذ الغذاء شكلا ذا كثافة و قوام معتدل ولون سنجابي يشبه لون الشوربا و يسمي (كيموسا) مهيأ للهضم والامتصاص.

ثم ان هذا الكيموس اذا أكمل هضمه في المعدة انحدر مارا بالبواب الي المعاء الاثني عشري. و هنا تنصب عليه عصارتان من غدتين مهمتين هما عصارة الصفراء من المرارة، و عصارة البنكرياس من غدة البنكرياس فتتحلل بهما كل المواد الشحمية في ذلك الكيموس، ثم تنحدر الكتلة الكيموسية الي الامعاء الدقاق فتخلط هناك بعصارة هاضمة أخري تفرزها نفس الأمعاء الدقاق من الأجربة المنتشرة تحت غشائها المخاطي، فيكمل هضمه و يصبح سائلا ذا قوام لبني مالح قلوي يسمي (كيلوس) و بهذا يتم الهضم الثاني فيصبح مستعدا للامتصاص لكي يستحيل دما يغذي الجسم كله.

أما الامتصاص فكيفيته هي أن الغذاء بعد أن صار كيلوسا تمتص رقيقه تلك الزغابات المعوية المنتشرة في الغشاء المخاطي المعوي، والتي تشبه جذور الاشجار النباتية المدلاة داخل بئر فيه ماء أو تشبه الأهداب الشعرية المنتظمة في جدر المعاء و ان في كل زغابة من تلك الزغابات قناة دقيقة جدا تمتد علي طولها و يقال لها (القناة اللبنية) أو (الوعاء الكيلوسي) و هذه هي التي تمتص الكيلوس. كما أنه يوجد ايضا مع كل زغابة جنب القناة أوعية شعرية وريدية اخري تحيط بها كضفيرة. فاذا امتصت تلك الزغابات الشعرية المعوية صافي الغذاء، تدفعه خارج المعاء والمعدة الي الكبد ليصير هناك دما صالحا، ثم أن هذا الدفع الي الكبد يكون بطريقتين:

(أحدهما) أن هذه الزغابات تدفعه الي الاوردة الشعرية الماساريقية المعوية، و منها الي وريد الباب و منه الي الكبد، و بعد دورانه في الكبد، داخل أوعية شعرية فيها يستحيل دما صالحا للتغذية بلطف التدبير. و هذه الأوردة الماساريقية المذكورة، هي المقصودة بقول الامام الصادق عليه السلام «في عروق دقاق واشجة» أي مشتبكة موصولة بين الامعاء والكبد، و قد جعلت هذه العروق كالمصفي للغذاء بمعني أنها تصفي الرقيق منه عن الغليظ ثم تدفع هذا الرقيق الصافي الي الكبد فان الكبد رقيقة لا تحتمل عنف الأجزاء الغليظة التي اذا وصلت اليها نكأتها أي جرحتها و أثرت عليها، و يسمي هذا الطريق (الطريق الوريدي).

أما الطريق الثاني المسمي «طريق الوعاء الكيلوسي» فهو أن العروق اللمفاوية الموجودة في المساريقا، تمتص الاجزاء الشحمية من الكيلوس فقط، فتمر بها الي الوعاء اللمفاوي الكبير المسمي «القناة الصدرية» والتي تثقب الحجاب الحاجز فتصعد الي الجوف الصدري علي طول العمود الفقري، ثم تنصب في الوريد تحت الترقوة الايسر، الذي ينصب الي الوريد الاجوف العلوي، و هذا يصب في الأذين الايمن من القلب و من هنا يمتزج بالدورة الدموية المذكورة قبلا.

أما الأجزاء الغليظة التي بقيت في الأمعاء بعد الامتصاص المذكور فان الامعاء تدفعها الي المعاء المستقيم بعملية الالتواءات المعوية فتبرز من المستقيم الي الخارج و هذا هو آخر الدورة الهضمية.

أما الدورة الدموية: التي أشار اليها الامام الصادق عليه السلام بقوله (و ينفذ الي البدن كله في مجار مهيأة لذلك بمنزلة المجاري التي للماء ليطرد في الأرض كلها) فهي تلك الحركة الدورانية للدم في العروق لتوزيع الدم علي جميع اجزاء البدن. و لنقل الفضلات المتبقية من عمليات التحويل الغذائي و دفع خبثها الي الخارج تخلصا من أضرارها.

و لهذه العملية المهمة جهاز عظيم يشتمل علي اربعة أعضاء مهمة، و هي القلب مركز الدوران و أصله، و الشرايين، والأوردة، والأوعية الشعرية.

أما كيفية الدورة الدموية فهي: أن هذا الصافي الرقيق من الغذاء الذي تمتصه العروق الماساريقا من الامعاء الدقاق، اذا دخل الكبد، و انتشر في عروقها الشعرية نضج ورق و لطف حتي يصير سائلا معتدل القوام ساخنا فيسمي (دما) فاذا بلغ ذلك دفعته الكبد الي القلب عن طريق الأجوف الصاعد، كما أن الدم الذي كان ممتصا بواسطة الاوعية اللمفاوية الي القناة الصدرية (كما تقدم) يأتي الي القلب ايضا عن طريق الوريد الاجوف النازل. و هذان الوريدان الاجوفان الصاعد والنازل يصبان ما فيهما من الدم في الأذين الايمن من القلب، فاذا امتلأ هذا الاذين بالدم، انقبض ليدفع ما فيه الي البطين الأيمن من القلب، مارا من الصمام الثلاثي الذي هو كالبوابة بينهما و عندئذ ينقبض هذا البطين الايمن ليدفع ما فيه الي الشريان الوريدي الذي يوصله الي الرئتين فاذا تم دفع الشريان دمه الي الرئتين، سدت صمامته لكي لا يرجع الدم منهما اليه قبل أن يتصفي مواده الكربونية و تطهيره بالاكسجين الحاصل له من تنفس الرئتين ثم يعود الدم عن طريق الاوردة الرئوية الي الأذين الايسر من القلب، و هذا بدوره يدفعه الي البطين الايسر مارا بالصمام الثنائي الذي هو كالبوابة بين الأذين والبطين الايسرين، فينقبض البطين الايسر فيندفع الدم الي الوريد الاورطي الذي تتوزع منه الي جميع الشرايين الصغار المنبثقة في أنحاء الجسم ليغذي الاعضاء بما يترشح من الأوعية الشعرية المنتهية بها تلك الشرايبن علي كل عضو من أعضاء البدن ثم يرجع هذا الدم بعد تغذيته للاعضاء و اعطائه الحرارة الغريزية اللازمة و أخذه المواد الضارة الي القلب عن طريق الاجوفين الصاعد والنازل كما تقدم، و هكذا تعود الدورة من القلب الي الرئتين ثم الاعضاء ثم منها الي القلب و هلم جرا.

و قد قسموا الدورة الدموية الي دورتين (الأولي) الصغري أو الدورة الرئوية و هي عبارة عن دوران الدم من القلب في عروق الرئتين الي عودته الي القلب (والثانية) الدورة الكبري التي هي عبارة عن دورانه من القلب في جميع شرايين الجسم ثم عودته اليه فالدورة الصغري هي لتصفية الدم في الرئتين من المواد الكربونية و لجذب الاكسجين من الهواء المستنشق. والدورة الكبري للتغذية و أخذ المواد الكربونية من الاعضاء و اعطائها الحرارة اللازمة.

أما قول الامام الصادق عليه السلام و ينفذ ما يخرج منه من الخبث والفضول الي مغائض قد أعدت لذلك، فالمراد بالخبث هنا هو المواد الكربونية، و بالفضول المنفذة الي المغائض هي المرة الصفراء التي تجري الي المرارة، والمرة السوداء التي تجري الي الطحال والبلة أو الرطوبة أي المائية المترشحة من الدم الي المثانة.